الدرس 06 - مرتكزات الذكاء الاصطناعي - النماذج
الدرس السادس: 🧩النماذج التوليدية - عندما تتعلّم الآلة أن تبتكر عندما يقترب القارئ من عالم النماذج التوليدية لأول مرة، يشعر كأنه يدخل ورشة واسعة ليست مزدحمة بالأدوات فحسب، بل بالأفكار. لم تعد الآلة هنا مجرّد عاملٍ صامتٍ ينفّذ ما يُطلب منه، بل كائن حسابي يتجاوز حدود الفهم إلى حدود الخَلْق، لا لأن له خيالًا مثل خيال البشر، بل لأنه تعلّم من البشر طريقة بناء الأشياء من مكوّناتها الصغيرة. وهذا التحوّل من “الاستقبال” إلى “الابتكار” هو ما فتح الباب أمام فصل جديد في تاريخ الذكاء الاصطناعي؛ الفصل الذي أصبحت فيه الآلة شريكًا في الصِّنعة الفكرية، لا متلقّيًا لها فقط. ويبدأ هذا المشهد من فكرة بسيطة في ظاهرها، لكنها جوهر كل ما يحدث خلف الستار: حين تخضع النماذج لتدريب طويل على ملايين النصوص أو الصور أو الأصوات، فإنها لا تحفظ الأمثلة كما يحفظ الطالب درسًا، بل تستخلص الأنماط والخطوط الخفية التي تُمسك بتلابيب الأسلوب والمعنى والتركيب. ومع كثرة التجارب، تبدأ هذه الأنماط في تكوين ما يشبه “المخزون الداخلي” الذي يسمح للآلة بأن تنتج شيئًا جديدًا يشبه ما تعلّمته لكنه ليس نسخة منه. كأن النموذج يقف في منتصف طريق بين التذكّر والاختراع؛ يأخذ من الماضي مادته، ثم يعيد صياغتها بترتيبٍ لم يوجد من قبل. ولذلك، حين يرى القارئ نموذجًا يكتب قصة قصيرة أو يرسم مشهدًا أو يقترح لحنًا موسيقيًا لم يُسمَع من قبل، فليس من العدل أن يُقال إن النموذج “اخترع” هذا العمل، ولا أنه “قلّده”. هو في الحقيقة أعاد تركيب العناصر نفسها التي بناها البشر عبر تاريخ طويل من الفن والمعرفة، لكنه فعل ذلك بطريقةٍ تسمح بخروج شكل جديد من الأشكال الممكنة. وهذا هو سر النماذج التوليدية: أنها لا تُعيد الماضي كما هو، بل تُغيّر زواياه وتعيد تشكيله في صورة تبدو مألوفة وغريبة في الوقت نفسه. ومع توسّع قدرتها، دخلت هذه النماذج ميادين كثيرة. فمن رأى نموذجًا يرسم لوحةً رقمية بألوان هادئة وإيقاع بصري محسوب قد يظنّ أنه أمام يد فنان لا آلة. ومن يسمع نموذجًا يلحن جملاً موسيقية قد يتساءل: كيف يمكن لمعادلاتٍ صامتة أن تنسج هذا الإيقاع؟ حتى النصوص -وهي القالب الذي تتدفّق فيه أفكار البشر- أصبحت ساحةً تكتب فيها النماذج رسائل، سرديات، تفسيرات، أو حتى شيفرات برمجية معقدة. ومع هذا الاتساع، ظهر سؤال داخلي يتردّد بصوت خافت: ماذا يعني أن “تبدع” الآلة؟ الآلة لا تُبدع لأنها ترى الجمال أو تشعر به، بل لأنها تتقن تركيب الأنماط التي اكتسبتها من البشر. فهي تفهم سياق الجملة في النص، وتفهم شكل الوجه في الصورة، وتستوعب علاقة النغمة بالأخرى في الموسيقى، ثم تبني على هذا الفهم شيئًا يبدو جديدًا. إنّها تحاكي طريقة الإنسان حين يتعلّم من أساتذته، ثم يبدأ شيئًا فشيئًا في صياغة أسلوبه الخاص، مع فارقٍ جوهري: الإنسان يضيف روحه وتجربته، أما النموذج فيضيف إحصاءً محسوبًا وارتباطًا مكتسبًا من البيانات.