الدرس 10 - مرتكزات الذكاء الاصطناعي - التمثيل
الدرس العاشر: 🧩 الانحيازات الخفيّة في عقل الذكاء الاصطناعي — كيف تتغيّر المساحات الرقمية مع التعلم والتحديث؟ حين نتحدث عن التمثيل الرقمي داخل النماذج، قد نتخيّل أنه بناء ثابت اكتمل شكله مع انتهاء التدريب. لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير؛ فالتمثيلات ليست حجارة صلبة، بل كائنات رقمية تتحرك وتتشكل وتعيد ترتيب مواقعها مع كل دورة تعلّم جديدة. وكما يغيّر الإنسان فهمه للعالم حين يكتسب معرفة إضافية، يعيد النموذج بدوره هندسة فضائه الداخلي كلما دخلته بيانات جديدة. فعندما تُحدَّث أوزان الشبكة، تتبدّل العلاقات بين المفاهيم داخل الفضاء الرقمي؛ قد تقترب معانٍ كانت متباعدة، أو تبتعد أخرى كانت متجاورة، أو تُعاد هندسة مجموعة كاملة دون أن ندرك ذلك للوهلة الأولى. يشبه الأمر خريطة ذهنية تتسع باستمرار، تتغير تضاريسها ويتحوّل شكل وديانها وهضابها مع كل فكرة جديدة تُضاف إليها. وهذه الديناميكية تمنح النماذج مرونة هائلة، لكنها أيضًا تفتح الباب لظواهر خطيرة إن لم تُضبط بحكمة. وأبرز هذه الظواهر النسيان الكارثي؛ إذ قد يتعلم النموذج معلومات جديدة فيفقد شيئًا من معرفته السابقة دون قصد. فقد يكون النموذج متقنًا لتمييز معنى كلمة “أبل” باعتبارها شركة تقنية، ثم يُغذّى بفيض من النصوص التي تتحدث عن التفاح كفاكهة، فيبدأ بالخلط بين المعنيين. ولمنع مثل هذا الاضطراب، تُستخدم أساليب مثل التعلم المستمر الذي يتيح للنموذج توسيع معرفته دون التضحية بالمكتسبات السابقة، أو تثبيت الأوزان التي تحفظ المفاهيم الجوهرية من التبدل العشوائي. لكن هذا التغيير المستمر لا يأتي وحده، بل يحمل معه ظاهرة أخرى أكثر خفاءً وهي: ظاهرة التحيّز. فالفضاء الرقمي الذي يُعاد تشكيله مع الزمن لا يبنيه النموذج من تلقاء نفسه، بل يعكس ما في البيانات من علاقات وصور وانطباعات بشرية. فإذا كانت البيانات منحازة ثقافيًا أو لغويًا أو اجتماعيًا، حمل النموذج هذا الانحياز في تمثيلاته دون وعيٍ منه أو منا. فالمفاهيم التي تظهر كثيرًا في سياق محدد تقترب من بعضها في الفضاء، حتى لو كان ذلك السياق غير عادل أو غير ممثِّل للواقع. ولهذا نرى نماذج تربط بين مفاهيم لا ينبغي أن ترتبط، فقط لأنها وُضعت بهذا الشكل في البيانات. فقد يميل النموذج لربط كلمات مثل “قيادة” أو “إدارة” بنوعٍ معيّن من الأشخاص، أو قد يربط مهنًا محددة بجنس أو ثقافة أو فئة اجتماعية. وهكذا تصبح الخريطة الرقمية -التي نتصورها حيادية- مرآة غير مرئية لانحيازات الواقع.