الدرس 07 - مرتكزات الذكاء الاصطناعي - النماذج · تطوير النماذج العربية الذكية

الدرس 07 - مرتكزات الذكاء الاصطناعي - النماذج

الدرس السابع: 🧩نماذج المحوّلات - حين يصبح الانتباه هو البطل

عندما يتقدّم القارئ خطوة نحو عالم اللغة داخل الذكاء الاصطناعي، يلاحظ أن النماذج الأولى كانت تتعامل مع الجمل كما يتعامل الناس مع كتابٍ كبير يقرؤونه صفحة صفحة، دون أن يستطيعوا العودة بسهولة إلى الصفحات السابقة. كانت تلك النماذج تمشي على النص ببطء، كلمة بعد كلمة، لا تقوى على النظر خلفها ولا أن تلتفت يمينًا ويسارًا لترى ما يربط الجملة ببقية فقرات النص. ولهذا بقيت عاجزة عن فهم الجمل الطويلة، أو إدراك العلاقة بين الكلمة التي في أول السطر وتلك التي في آخره.

ثم حدث التحوّل. لم يكن تحوّلًا تدريجيًا، بل أشبه بما يحدث حين يرفع أحدهم ستارة كانت تحجب نافذة واسعة. ففي عام 2017 ظهر نموذج جديد حمَلَ اسمًا قد يبدو بسيطًا في ظاهره لكنه أعماقه يحمل كثيرًا من التعقيدات، إنه "المحوّل" Transformer. كان الطرح البحثي بمثابة الشرارة التي أعلنت ميلاد الإنجاز، وبداية تغيير شكل التفكير كله.

تخيّل أن أمامك صفحة مكتوبة، وأنك تطلب من قارئٍ أن يمرّ عليها كلمة كلمة دون أن يتوقف. سيصل القارئ إلى المعنى ببطء، وربما ينسى ما قرأ قبل قليل. هذا هو ما كانت تفعله النماذج القديمة. لكن بِنْية "المحوّل" جاء بعقل مختلف. وقف فوق النص كما يقف شخص على شرفة مرتفعة يرى الشارع كله دفعة واحدة؛ لا يحتاج إلى المرور على كل منزل ليدرك موقعه، بل يرى الصورة كاملة ويتتبّع العلاقات فيما بينها بسهولة.

هكذا يتعامل المحوّل مع الجملة. لا ينظر إلى الكلمات بالتتابع، بل ينظر إليها كلها في اللحظة نفسها. يسأل كل كلمة: «ما الكلمات التي تعطيني المعنى؟ ومن أقرب إليّ في هذا السياق؟» وتبدأ الكلمات في الإجابة، لا بالكلام، بل بالأرقام. كل كلمة تمنح الأخرى وزنًا يشير إلى أهميتها. وهكذا تتكوّن شبكة خفية من العلاقات، تُشبه خيوطًا دقيقة تمتد بين الكلمات، بعضها قوي يشدّ الجملة نحو معنى محدد، وبعضها ضعيف يظهر كالخلفية.

بهذه الطريقة، أصبح الفهم اللغوي أكثر ثراءً. لم تعد الآلة تحفظ ترتيب الكلمات فقط، بل تفهم ما بينها من روابط: كلمة في أول الجملة قد تكون المفتاح لفهم كلمة في آخرها. وكلمة صغيرة مثل "لكن" قد تغير اتجاه الفكرة كلها. كل هذا أصبح مرئيًا للنموذج في لحظة واحدة. ومن هنا بدأ عصر جديد.

ولأن هذا الأسلوب لم يعتمد على السير المتتابع، بل على النظر الشامل، أصبح التدريب أسرع بكثير. لم تعد الحاجة إلى انتظار كل كلمة حتى تمرّ في الطابور لتصل إلى النموذج، بل أصبحت الكلمات تعمل معًا كفريق واحد. وهذا ما سمح بتدريب نماذج أضخم، وأعمق، وأكثر قدرة على اكتشاف العلاقات الدقيقة التي يمرّ عليها العقل البشري دون وعي.

ومع مرور الوقت، لم تبق فكرة "الانتباه" حبيسة اللغة. بل استخدمها الباحثون في الصور، فصار النموذج يركز على جزء معين من الوجه أو الخلفية ليعرف ما يرى. واستخدموها في الصوت، فصار النموذج يعرف نبرة معينة أو لفظة محددة دون أن يعتمد على ترتيب الأصوات. ثم استخدموها في الفيديو، فأصبح الانتباه طريقة لفهم ما يتغيّر في المشهد مع مرور الوقت، وليس فقط طريقة لعدّ اللقطات.

ومع قدرة المحوّلات على العمل في كل هذه المجالات، بدأ العلماء في بناء نماذج أكبر حجمًا.

كلما زاد عدد الطبقات، زادت قدرة النموذج على فهم المعنى الخفي، وكلما ازداد عدد البيانات، ازداد اتساع رؤيته. وهكذا ظهرت النماذج اللغوية الكبرى التي نعرفها اليوم -ومنها GPT، تلك النماذج التي لا تقرأ النصوص فقط، بل تحاور الإنسان وتفهم سياقه وتعود إلى بداية كلامه ولو بعد عشرات الجمل.

ورغم هذا النجاح الكبير، لا تزال المحوّلات تواجه تحديات تحتاج إلى تفكير عميق. فاستهلاكها للطاقة هائل، وتدريبها يأخذ وقتًاً، وتحليل قراراتها يحتاج إلى جهد مضاعف. ولذلك فإن هذه المحوّلات قدّمت للغة ما لم تقدّمه أي تقنية قبلها. أعادت تنظيم الفهم من الأسفل إلى الأعلى. وجعلت الانتباه -لا الترتيب- جوهر العملية. وأعطت للنماذج قدرةً على رؤية النص كما يراه الإنسان حين يقرأ، لا كما تراه الآلة حين تُحصي الحروف.

وحين ننظر إلى هذا التحوّل ندرك أن المحوّل لم يكن مجرد تحسين تقني، بل تغييرًا في طريقة تفكير الأنظمة كلها. لقد جعل الآلة ترى العلاقات، لا الكلمات فقط؛ ترى المعاني لا الجمل وحدها. وهذا ما مهّد الطريق لظهور النماذج القادرة على المحاورة والفهم والتحليل.

مركز علوم الدولي (د. عبد الرحمن الزراعي)

_________________

هل فهمت الدرس.

نعم بشكل ممتاز

نعم بشكل جيد

نعم بشكل مقبول

10 votes

5:44

7 comments