الدرس 03 – مرتزات الذكاء الاصطناعي - الخوارزميات
الدرس الثالث: ما خصائص الخوارزمية الجيدة؟ من الوضوح إلى الكفاءة حين تقف أمام خوارزمية جديدة، فإنك تشعر كما لو أنك تقف عند بداية طريق طويل لا تعرف بعدُ ما ينتظرك في منتصفه. وقد يبدو لك أن الطريق المرسوم خطوة خطوة كافٍ ليقودك إلى النهاية، لكنك ما إن تخطو فيه حتى تكتشف أن الطريق نفسه يحتاج إلى شروط تجعله صالحًا للسير. الخوارزمية الجيدة ليست تلك التي “تعمل” فقط، بل تلك التي تُعبَّد كما تُعبَّد الطرق المتقنة: واضحة الاتجاه، محدودة المسافة، خفيفة في الحركة، واسعة لاستقبال حالات متعددة، وممكنة السير عليها دون عوائق. ولهذا اتفق العلماء على مجموعة خصائص تُكوّن الطريق الخوارزمي الصالح، خصائص ليست زخرفة بل شروطًا لسلامة التفكير. وتبدأ أولى هذه الخصائص من وضوح المسار. فالخطوة الغامضة داخل خوارزمية تشبه لافتة غير مكتوبة على الطريق؛ تربكك مهما كنت خبيرًا بالسير. الخوارزمية الجيدة تقول لك ما يجب فعله بوضوح لا يلتبس: تبدأ من هنا، تنتقل إلى هناك، تفعل كذا، ثم تكمل. كل خطوة محددة، وكل فعل مصاغ بدقة، لا يعتمد على التخمين. وكما أن الوصفة التي تقول “أضف مقدارًا غير محدد” تُفسد الطبق، كذلك الخوارزمية التي تتركك تعيد التفكير في كل خطوة تُفسد الطريق كله. الوضوح هو الذي يسمح لأي شخص -أو أي آلة- بأن يصل إلى النتيجة نفسها كلما سار على الطريق ذاته. ومع وضوح الخطوات تظهر خاصية ثانية لا تقل أهمية: أن يكون للطريق نهاية. الخوارزمية التي لا تملك نقطة توقف واضحة تشبه طريقًا يقودك إلى صحراء لا نهاية لها. يمكنك أن تستمر في السير، لكنك لن تصل إلى شيء. شرط التوقف هو تلك العلامة التي تقول لك “هنا تنتهي الرحلة”. هو الذي يمنع الخوارزمية من الدوران إلى ما لا نهاية، ويجعلها تُنجز العمل في زمن منطقي. دون هذا الشرط، لا توجد خوارزمية بالمعنى الحقيقي، بل حركة بلا غاية. ثم تمتد خصائص الطريق نحو بُعدٍ آخر: **سرعة الوصول**. فالكفاءة هي ما يجعل الخوارزمية لا تكتفي بالوصول، بل تصل بأقل وقت وجهد. قد تجد خوارزمية تُنجز المهمة في دقائق، وأخرى تُنجز المهمة نفسها في ساعات، والفارق بينهما هو الكفاءة. في عصر البيانات الضخمة، لا مكان لطرق بطيئة تتعثر في كل خطوة. الخوارزمية الكفؤة تختصر الجهد، وتوفر الطاقة، وتسمح للأنظمة الذكية بأن تعمل كما لو أنها تفكر في اللحظة نفسها. ثم يأتي شرطٌ يجعل الطريق نافذًا إلى أماكن جديدة: العمومية. فالخوارزمية التي تُصمَّم لمسألة واحدة فقط تشبه طريقًا ينتهي عند بيت واحد لا يؤدي إلى غيره. أما الطريق الجيد، فهو الذي يصلح لعشرات البيوت والمسارات. هكذا أيضًا الخوارزمية: يجب أن تعمل على مجموعة من الحالات، لا على حالة واحدة. أن تعرف كيف تتعامل مع “أي رقم” لا مع رقم واحد، ومع “أي نص” لا مع جملة بعينها. العمومية تمنح الخوارزمية قوة تمتد عبر الزمن ولا تتقيد بلحظة أو حالة محدودة.