الدرس 07 - مرتكزات الذكاء الاصطناعي - التمثيل
الدرس السابع: 🧩 التمثيل السياقي — كيف يتغيّر معنى الكلمة أو الصورة بحسب موقعها؟ حين تتعامل مع اللغة لأول مرة، يبدو لك أن الكلمات ثابتة، لا يتغير معناها مهما تغيّر موقعها. لكن ما إن تنظر إليها بعمق حتى تدرك أن الكلمة ليست قالبًا جامدًا، بل كائنًا يتبدل مع كل جملة، ويكتسب معناه الحقيقي من محيطه. كلمة مثل "عين" قد تعني البصر، أو نبع الماء، أو شخصًا يراقب، ولا يعرف الإنسان معنى المقصود إلا بإلقاء نظرة على الكلمات التي تسبقها وتتبعها. هذه البديهية البسيطة التي نمارسها دون جهد، كانت تحديًا كبيرًا للنماذج القديمة في الذكاء الاصطناعي. ففي تلك النماذج، كانت الكلمة تُعطى تمثيلًا رقميًا واحدًا لا يتغير، مهما اختلف السياق. وبهذا كانت الآلة ترى أن "عين" في جملة "عين الماء" هي نفسها "عين الجاسوس"، لأن تمثيلها الرياضي ثابت لا يتحول. ومع أن هذه الطريقة كانت كافية لبعض المهمات البسيطة، فإنها سرعان ما كشفت محدوديتها عندما واجهت اللغة الحقيقية التي تتحرك مع السياق. وهنا ظهرت النقلة النوعية في هندسة التمثيل: التمثيل السياقي. وهو الأسلوب الذي يجعل معنى الكلمة يتغير تبعًا لموقعها في الجملة، كما يفعل الإنسان تمامًا. لم تعد الكلمة تُسجَّل مرة واحدة، بل يعاد تمثيلها في كل لحظة، اعتمادًا على الكلمات التي تحيط بها قبلها وبعدها. فإذا قرأ النموذج جملة مثل: "عين الجاسوس كانت يَقِظة"، فإنه يدرك من السياق أن المقصود شخص يراقب، بينما في "عين الماء تتدفق"، يفهم أن المقصود نبعٌ أو مصدر ماء. هذا الفهم الديناميكي لا يحدث من تلقاء نفسه، بل تقوده تقنية دقيقة تُسمّى الانتباه الذاتي. وهي الآلية التي تجعل النموذج يوزّع تركيزه على جميع الكلمات في الجملة، ليقرر ما الذي يتصل بها. تمامًا كما يفعل القارئ حين يعود ببصره إلى كلمة سابقة ليعيد فهمها في ضوء جملة لاحقة. فإذا قرأ النموذج: "النيل أطول نهر في أفريقيا"، فإنه يرى كلمة "نهر" قريبة من "النيل" في السياق، فيختار المعنى المناسب تلقائيًا. والمدهش أن هذه الآلية لا تتعامل مع الجملة كوحدة واحدة، بل تعيد حساب التمثيل مع كل خطوة. قد يغيّر النموذج فهمه لكلمة في بداية الفقرة بعد أن يقرأ الجملة الأخيرة، لأن السياق اتسع واتضحت الصورة. هذا يشبه القارئ الذي لا يكتمل فهمه إلا عند انتهاء النص. ولا يتوقف هذا المفهوم عند النصوص، بل يمتدّ أيضًا إلى الصور. فالصورة مثل اللغة لا تُفهم إلا بسياقها. صورة كرة على ملعب تختلف عن كرة فوق رفّ في غرفة. الأولى تنتمي إلى مشهد رياضي، والثانية إلى مشهد منزلي أو تزييني. وحتى العناصر نفسها مثل قارب أو شجرة تتبدل دلالتها إذا تغيرت الخلفية أو الإضاءة أو موقع العنصر داخل الصورة. فالقارب في بحر مفتوح ليس كالقارب في متحف، والشجرة في غابة ليست كشجرة وسط مدينة.