7d • دردشة
الشكر فضله وأركانه
تعالوا نقتسم لحظةً من الذِّكر، نُذكِّر فيها أنفسنا وإياكم بتقوى الله، وبشكر نعمه التي لا تُعدّ ولا تُحصى، لعلّها تكون نفحةَ خيرٍ تُلين القلب، وتفتح بابًا من أبواب الهداية والسكينة.
لو خطبت اليوم تكون هذه خطبتي:
موضوع الخطبة
«وقليلٌ من عباديَ الشكور»
✨الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ المنعِمِ المتفضِّل، الرازقِ المهيمن، الذي وسِعَ كلَّ شيءٍ رحمةً وعلمًا، لا يُحصَى ثناؤه، ولا يُحاط بآلائه، ولا تَزال نعمُه تتوالى على العباد آناءَ الليل وأطراف النهار.
نحمده على آلائه، ونشكره على نعمائه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيِّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه، الشاكرُ الحامدُ، الذي قال ربُّه فيه: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾، وقال هو صلوات الله عليه حين قام الليل حتى تفطرت قدماه: «أفلا أكونُ عبدًا شكورًا؟».
أما بعد، عباد الله…
الشكر… نعمةٌ لا يقوم بحقها إلا القليل
إن النِّعم إذا تتابعت على العبد، أُخِذَ من جهتين: جهةِ الابتلاء، وجهةِ الامتنان. فكم من مبتلًى بالنعم وهو لا يشعر، وكم من محرومٍ وهو يحسب أنه منعَم عليه.
ولذلك قال ربُّ العزة ـ جل في علاه في محكم كتابه:
﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾.
فلو تأمل العاقل، لعلِم أن القليل هم الذين وطِّنوا أنفسهم على القيام بحق النعمة، لا الذين عدّوا النعم عددًا؛ فإن عدَّ النعمة شُكرٌ، ولكن القيام بحقِّها شكرٌ أعظم وأغلى.
وقد قال الإمام عليٌّ رضي الله عنه: «النعمةُ موصولةٌ بالشكر، والشكرُ يعقدها ويزيدها».
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة واستغفروه يغفر لكم.
🕋 جلسة استراحة...
✨الخطبة الثانية:
الحمدلله وكفى وسلام على عباده الدين اصطفى وصلى الله وسلم على سيدنا وحبيبنا ومولانا محمد رسول الله وحبيبه ومصطفاه.
أما بعد فقلة الشكر ترجع إلى أن للشكر ثلاثة أركان قل من يعرفهم ثم قل من يأتي بهم.
1️⃣ الركن الأول:
الشكر باللسان
وهو أيسرها ظاهرًا، وأعظمها أثرًا إذا صَدَق العبد فيه.
إن اللسان إذا تلجلج بالحمد وترطب بالشكر، واعتاد تعداد الآلاء، صار القلبُ له تبعًا، والجوارحُ خدمًا.
وقد قال النبي ﷺ:
«اللهم اجعلني لك شكارًا، لك ذكارًا».
فالعبدُ ما دام يحمد الله على الصغيرة قبل الكبيرة، وعلى المألوف قبل النادر، صار من الشاكرين إذا جدّ الجدّ.
2️⃣ الركن الثاني:
شكر القلب، وهو اليقين بأن الله هو المنعِم
وهو أعظم الأركان؛ لأن اللسان قد ينسى، والجوارح قد تقصّر، أما القلب فإذا أيقن… شهد.
وإذا شهد… انقاد.
وإذا انقاد… زكى.
فلا يقول العبد: “إنما أوتيت العلم، واستحققت المال، ونلتُ الجاه بجَدِّي وجهدي.”
فهذا كلامٌ قارونيٌّ قاله صاحبه:
﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي﴾،
فجاءه الرد:
﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾.
وفي المقابل… يقف النبيّ الملك سليمان عليه السلام وقفة العارف بربه، فيقول حين رأى عرش بلقيس بين يديه:
﴿هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾.
فشتّان بين رجلٍ نسب الفضل لنفسه فهلك، ورجلٍ نسب النعمة إلى الله فملك.
3️⃣ الركن الثالث:
استعمال النعمة في مرضاة الله
وهو ميزان الشكر الأعظم، وبه يُعرف الشكور من الكفور.
فالنعمة التي لا تُستعمل في الطاعة، إنما تتحوّل على صاحبها وبالًا، وإن أضحكته اليوم أبكته غدًا.
فالعين:
غُضٌّ عن العورات، وصونٌ عن الحرام، ونظرٌ يعتبر ولا يفتتن.
قال تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾.
والأذن:
لا تُجعل قِدرًا تُطبَخ فيه الغيبة والنميمة، بل تُسمع الذكر والعلم والخير.
والمال:
لا يُكتسَب إلا من حلال، ولا يُدَنَّس بغشٍّ ولا ظلمٍ ولا ربًا.
وينفقه صاحبه على عياله أولًا، فإنه مسؤولٌ عنهم، ثم يخرج زكاته، ويكثر من صدقته، ولا يُسرف في مباح، ولا يبذر في محرم.
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا﴾.
وهكذا سائر النعم… كلُّ نعمةٍ لم تُستعمل في طاعة الله فهي استدراج، وإن تلألأت في الظاهر.
عباد الله…
هذه أركان الشكر الثلاثة التي من قام بها فقد وُفِّق، ومن تخلّف عنها فاته خيرٌ كثير؛ ولذلك كان الشكور قليلًا.
وقد قال النبي ﷺ في حديث صحيح:
«إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها».
فكيف بمن شكر الله على العمر كلِّه، والرزق كلِّه، والصحة كلِّها، والهداية كلِّها؟!
اللهم اجعلنا لك من الشاكرين، وبنعمك من المعترفين، وفي طاعتك من العاملين.
ثم أقول كما قال نبي الله صالح لقومه:
﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ﴾.
قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله…
وأقم الصلاة.
اللهم أعِنّا على ذكرك وشُكرك وحُسن عبادتك، واجعلنا من عبادك الذين هديتَ قلوبهم، وزكّيتَ نفوسهم، وثبّتَّهم على طاعتك.
وإن وجدتم في هذه الخطبة نفعًا أو أثرًا، فلا تنسوني من دعوةٍ صادقةٍ بالستر والتوفيق، وانشروها لعلّ الله أن يجعلها سببًا لهداية قلبٍ، أو إيقاظ غافلٍ، ولكم مثلُ أجرِ من انتفع بها.
#ماهر_عزت خطيب جمعة سابق ..
6
4 comments
الشكر فضله وأركانه
powered by
skool.com/al-mahero-4135
دراسات القرآن الكريم وعلومه وفقًا لمنهج الأزهر الشريف وتحت إشراف علماء الأزهر الشريف
Suggested communities
Powered by