الدرس 02 - مرتكزات الذكاء الاصطناعي - التمثيل
🧩 الدرس الثاني: 🧩 من الرمز إلى المعنى — كيف تعبر البيانات بوابة الترميز؟
حين تقترب من فكرة الترميز، تجد نفسك في بداية طريقٍ جديد يشبه الوقوف عند باب مدينة لا تظهر معالمها من النظرة الأولى. ترى أمامك كلمة بسيطة مثل "شمس"، أو صورة لغروب عند الأفق، فتفهم معناها فورًا كما يفهمها أي إنسان عاش التجربة من قبل. لكنك حين تحاول أن تنقل هذا الفهم إلى الآلة، تدرك أن ما نراه بديهيًا لا يصل إليها كما يصل إلينا. فالآلة لا ترى الشمس، ولا تفهم الغروب، كل ما يصلها ليس أكثر من بيانات خام، سلاسل من الحروف أو مربعات صغيرة من الألوان، لا تحمل أي معنى دون معالجة.
ومن هنا تبدأ رحلة الترميز. رحلة تحاول فيها الآلة أن تأخذ هذا الشكل الأولي -الشكل الذي لا يحمل إلا الرمز- وتعيد بناءه على نحو يجعل له معنى يمكن التعامل معه داخل نظامها. هي رحلة تشبه انتقال الكلمة من نقشٍ على صخرة إلى معنًى في كتاب. ولا تتم هذه الرحلة دفعة واحدة، بل تمر عبر محطات متتابعة، كل محطة تقرّب الآلة خطوة من الفهم الذي نمارسه نحن دون جهد.
تبدأ الحكاية عندما تصل الكلمة إلى النظام. فحين ترى "شمس"، تراها أنت صورة، بينما تراها الآلة مجموعة من الرموز تُحوّل فورًا إلى أرقام ثابتة ضمن جدولٍ عالمي، كأن كل حرف يحمل رقمه الخاص في سجل كبير. تتحول الكلمة إذن إلى سلسلة من الأعداد: تمثيل دقيق، لكنه لا يحوي شيئًا من المعنى. هذه المرحلة تشبه كتابة أسماء الناس دون معرفة قصصهم؛ ترتيب صحيح، لكنه لا يكشف شيئًا عن الشخص نفسه.
ثم تنتقل الكلمة إلى محطة أخرى، حيث لا يكفي أن تُسجّل كما هي، بل يجب أن ترتبط بما حولها. في هذه المرحلة يبدأ الترميز الغني، الذي لا يكتفي بالشكل، بل يحاول أن يقترب من المضمون. هنا تتحول الكلمات من أرقام بسيطة إلى متجهات رقمية، متجهات تحمل سمات متعددة تُستخرج من طريقة استخدامها في النصوص. وهكذا تصبح "شمس" نقطة داخل فضاء واسع، تقف بالقرب من كلمات مثل "ضوء" و"قمر"، وتبتعد عن كلمات لا علاقة لها بها. في هذا المشهد تبدأ خريطة المعنى بالظهور، خريطة لا تُرسم بالحبر، بل بالأبعاد والمسافات.
وتختلف رحلة الترميز بحسب نوع المدخلات. فالنصوص تبدأ بتقسيم الجملة إلى رموز صغيرة، تُمنح لكل رمز منها أرقام محددة، ثم تُحوّل هذه الرموز إلى متجهات داخل فضاء لغوي. أما الصور فتُقسّم إلى بكسلات، تُحوَّل إلى متجهات تمثل ملامح الصورة، كل منها يحمل قيمًا لونية دقيقة، ورغم اختلاف الطريقين، فإن الغاية واحدة: تحويل المدخلات إلى صيغة موحدة، صيغة رقمية يمكن للآلة التعامل معها كما يتعامل النجار مع الخشب بعد أن يزيل عنه الشوائب.
ولكي يقترب المعنى أكثر يمكن أن نتخيل الأمر كما لو أننا نقف في ساحة كبيرة، فيها مجموعات من الناس لا نعرف أسماءهم. كل مجموعة تجتمع بحسب ما يشترك فيه أفرادها من اهتمام. فمن يحب الرياضة يقف في جهة، ومن يفضل القراءة يقف في جهة أخرى، ومن يهتم بالفن يقف في مكان ثالث. ومع الوقت، يصبح بإمكانك توقّع مكان أي شخص جديد، فقط من طريقته في التصرف أو حديثه. كذلك تفعل الآلة مع الكلمات والصور؛ تراقب العلاقات، فتجمع ما يتشابه، وتفرّق ما يختلف، حتى تتكون لديها صورة عامة للمعنى، حتى وإن كانت لا ترى الصورة كما نراها نحن.
وفي نهاية هذا الطريق ندرك أن الترميز ليس مجرّد خطوة تقنية، بل هو البوابة التي تنتقل منها البيانات الخام إلى عالم المعاني الرقمية. فمن دون هذا التحول، تبقى الكلمات مجرد رموز صامتة، وتبقى الصور مجرد نقاط لونية بلا روح. أما عندما تُحسن الآلة قراءتها، فإنها تبني من هذه الرموز فضاءً كاملًا يمكن للنموذج أن يتحرك داخله، ويستنتج، ويُصنف، ويُولّد، كما لو كانت اللغة قد تحولت إلى مادة يفهمها منطق الأعداد.
وهكذا يتبين أن كل نظام ذكاءٍ اصطناعي يبدأ رحلته من هنا: من لحظة يتحول فيها الحرف إلى رقم، والرقم إلى متجه، والمتجه إلى معنى. وما إن تكتمل هذه الرحلة، حتى يصبح الطريق ممهدًا لفهمٍ أوسع، ولنماذج تتعامل مع اللغة والصورة بقدرة تتجاوز حدود الرمز الأولي لتصل إلى جوهر الفكرة.
مركز علوم الدولي (د. عبد الرحمن الزراعي)
________________
هل استوعبت الدرس
5:13
5:12
6
4 comments
Abdulrahman Alzarraei
6
الدرس 02 - مرتكزات الذكاء الاصطناعي - التمثيل
powered by
تطوير النماذج العربية الذكية
انضمّ إلى أكاديمية علوم الدولية للذكاء الاصطناعي لإنشاء مشاريع ربحية قابلة للتنفيذ خلال أيام، ودون الحاجة إلى أية خبرة تقنية أو تكلفة تشغيلية
Build your own community
Bring people together around your passion and get paid.
Powered by