معركة الجمل كما رواها البوطي في فقه السيرة،
١. مقدمة الفتنة:
قال البوطي إن معركة الجمل لم تكن نزاعًا على سلطان، ولا طلبًا للدنيا، بل كانت فتنةً اشتعلت بين أطهارٍ من الصحابة، أُريد بها غير ما قصدوا، وأشعلها المفسدون الذين قتلوا عثمان رضي الله عنه، فحرفوا وجه الحق ليجعلوه وقودًا للباطل.
٢. الباعث الحقيقي:
كان علي بن أبي طالب يريد تهدئة النفوس حتى يُستقر له الأمر ويُقتصّ من قتلة عثمان بالعدل، لا بالعجلة. أما طلحة والزبير وعائشة، فقد خرجوا يطلبون القصاص عاجلاً، غيرةً على الدين ووفاءً للخليفة الشهيد. وهكذا التقوا على نيةٍ صافية، وافترقوا بفعل الخديعة التي بثّها قتلة عثمان بينهم.
٣. كيد المفسدين:
يروي البوطي أن أولئك القتلة خافوا من القصاص، فعمدوا إلى دسّ الدسائس في الليل، فهاجموا الفريقين ليلاً وأشاعوا أن الفريق الآخر هو البادئ بالحرب، فاشتعل القتال دون أمرٍ من علي أو من طلحة والزبير، وكانت تلك أولى شرارات الفتنة الكبرى في الإسلام.
٤. المعركة ومشهد الجمل:
احتدم القتال في البصرة، وارتفعت راية الجمل الذي عليه عائشة رضي الله عنها، وكان الناس يقاتلون حوله حتى قُتل من حوله خلق كثير، فصار الجمل رمزًا ليومٍ اشتبكت فيه سيوف الإيمان، واختلط فيه الصواب بالخطأ، والنية الخالصة بالاجتهاد الملتبس.
٥. نهاية القتال:
انتهت المعركة بغلَبة جيش علي رضي الله عنه، لكنه ما عرف الشماتة ولا الانتقام، بل قال كلمته التي تضيء التاريخ: «إنها حرب أكرهها الله ورسوله، فلا أسيرنّ إلا بالحق والرحمة». ثم جهّز أم المؤمنين عائشة بكل ما تحتاج، وأعادها إلى المدينة مكرّمة، وأطلق الأسرى، وأعلن عفوًا عامًا عن الجميع.
٦. العِبر التي استخلصها البوطي:
أن الصحابة جميعًا كانوا مجتهدين، أصابت نياتهم وغابت عنهم الدقائق السياسية التي خبّأها المفسدون.
أن عليًّا مثّل أسمى مثالٍ في ضبط النفس وعدل القيادة، فلم يطلب ثأرًا، بل أصلح صدع الأمة.
أن الفتنة حين تبدأ بدمٍ، لا تنتهي إلا بضعف الأمة ووهن صفها.
وأن الإصلاح لا يقوم على الغضب، بل على البصيرة والحكمة.
٧. وفى الختام
تلك المعركة، كما يقول البوطي، لم تكن يومًا صراعًا بين مؤمنين وكافرين، بل امتحانًا للأمة لتعلم أن الخلاف إذا تجاوز حدود الحكمة صار فتنة. فخرج عليّ من المعركة كبيرًا كما دخلها، ثابت القلب، نقيّ اليد، وخرج التاريخ يروي للناس أن السيف لا يُقيم الحق إن تفرّقت القلوب عن كلمة الله.