الدرس 06 – مرتكزات الذكاء الاصطناعي - الخوارزميات
الدرس السادس: أنماط البحث في الخوارزميات — كيف تصل الخوارزمية إلى هدفها؟
حين تدخل إلى عالم الخوارزميات، تكتشف سريعًا أن كل خوارزمية — مهما بدت بسيطة أو معقّدة تحتاج في لحظة ما إلى أن تعثر على شيء. قد تبحث عن كلمة داخل نص، أو عن رقم داخل قائمة، أو عن مسار يربط نقطتين، أو عن شرط يتحقق وسط بنية معقدة من العلاقات. لا شيء يتحرك من تلقاء نفسه داخل الآلة، بل كل خطوة مبنية على بحث منظم يقود من نقطة البداية إلى نقطة الوصول.
وعندما تتأمل طبيعة هذا البحث تكتشف أن الخوارزمية لا ترى العالم دفعة واحدة كما يفعل الإنسان؛ فهي لا تستطيع أن تقف فوق جبل عالٍ لترى الصورة الكاملة. بل تتحرك خطوة خطوة داخل فضاء واسع، تفحص نقطة ثم أخرى، وتجمع أجزاء الصورة تدريجيًا. ولهذا احتاج البشر إلى أنماط واضحة تجعل هذا البحث قابلاً للضبط والتكرار. أنماط تشبه خرائط مختلفة للمكان نفسه، تحدد كيف تسير، وأين تلتفت، وكيف تقرر أن هذه النقطة تستحق الفحص أكثر من غيرها.
ومع الوقت تبلورت ثلاثة أنماط مركزية للبحث. ليست مجرد أدوات، بل طرق مختلفة لرؤية البيانات نفسها: بحث خطي يسير في مساحة مستقيمة، وبحث ثنائي يقفز داخل مساحة منظمة، وبحث شبكي يتنقل في فضاء متشعب مثل مدينة كاملة. وكل نمط يفتح لك بابًا جديدًا لفهم كيف تفكر الخوارزمية حين تريد الوصول إلى هدفها.
أولًا: البحث الخطي — حين تسير خطوة خطوة داخل مساحة بلا خريطة
حين تدخل إلى ممر طويل لا توجد عليه أي علامات، ولا يوجد ما يوجهك سوى تسلسل الأبواب على جانبيه، سيكون طبيعيًا أن تطرق الباب الأول، فإن لم تجد ما تريد تذهب إلى الباب الثاني، ثم الثالث، وهكذا. هذا هو البحث الخطي تمامًا: تسلسل بسيط، مباشر، لا يتطلب معرفة مسبقة بأي ترتيب، ولا يستفيد من أي بنية.
وحين تفحص قائمة غير مرتّبة من الأسماء، فلن يساعدك أي اختصار. ليس هناك باب يمكن تجاوزه أو نقطة يمكن القفز عنها. كل عنصر احتمال قائم، وكل خطوة جزء من الطريق. ولهذا يكون البحث الخطي هو الأداة الطبيعية عندما تغيب البنية الداخلية للبيانات. قوته أنه مفهومي وبسيط، وضعفه أنه لا يوفر أي طريق مختصر. إنه يقول لك بصراحة: طالما لا توجد خريطة… فليس أمامك إلا السير الكامل.
ثانيًا: البحث الثنائي — حين تستفيد من الترتيب لتضيّق الطريق
وتتغير الصورة تمامًا حين تدخل إلى مساحة مرتّبة: رفوف كتب مصفوفة من الأصغر إلى الأكبر، أو قائمة أرقام تبدأ من الأدنى ثم تصعد. هنا يمكنك أن تتوقف في وسط الطريق، وتنظر مباشرة إلى منتصف القائمة. فإذا وجدت هدفك انتهيت، وإن لم تجده فستعرف فورًا أي جهة تذهب إليها: اليسار إذا كان الرقم أصغر، واليمين إذا كان أكبر.
هذا هو البحث الثنائي، أسلوب يعتمد على فكرة بسيطة لكنها قوية: اقسِم الطريق إلى نصفين في كل خطوة. بهذا الانقسام المتتابع يختفي نصف احتمال الخطأ في كل لحظة. لم تعد تحتاج فحص كل العناصر. يكفي أن تنظر إلى نقطة واحدة لتعرف مسار الحركة. ولو كنت تبحث داخل ألف عنصر، فسيحتاج البحث الثنائي إلى أقل من عشر خطوات ليصل إلى هدفه.
إنه يقول لك: طالما لديك ترتيب… فلا تبحث في الظلام. انظر إلى نقطة محورية واحدة، ودع الباقي يسقط من الطريق.
ثالثًا: البحث في البنى الشبكية — حين تتحول البيانات إلى مدينة لها طرق ومسارات
وحين تنتقل إلى مستوى آخر، تجد نفسك أمام مساحة لا تشبه طريقًا مستقيمًا ولا خطًا ذا ترتيب واضح، بل شبكة كاملة من النقاط والمسارات: تقاطعات، وطرق جانبية، وجسور تربط بين أجزاء مختلفة. هنا لا يكفي السير المستقيم، ولا يفيد الانقسام، لأن طبيعة البيانات نفسها لم تعد خطية، بل أصبحت شبيهة بمدينة ذات مستويات متعددة.
في هذا العالم الشبكي تعمل خوارزميات البحث بأسلوبين أساسيين يشبهان طريقتين مختلفتين لاستكشاف مدينة جديدة: أسلوب يبدأ من الدائرة الأقرب ثم يتسع بالتدريج، وآخر يغوص في ممر واحد حتى نهايته قبل العودة.
وحين تبدأ بالطريقة الأولى — التي تُسمّى البحث على مستوى العرض — فإنك تستكشف كل النقاط القريبة منك أولًا، كما تفعل حين تدخل مبنى وتقرر أن تتفقد كل غرف الطابق الأول قبل أن تصعد إلى الطابق الثاني. بهذه الحركة المنظمة تستطيع أن تضمن أنك لم تغفل شيئًا، وأنك تتحرك طبقة بعد طبقة، مستوى بعد مستوى. وتبدو هذه الطريقة مثالية حين تحتاج الوصول إلى أقرب نقطة ضمن شبكة معقدة.
أما الطريقة الثانية -التي تُعرف بالبحث في العمق- فهي تشبه اختيارك ممرًا واحدًا داخل المدينة ثم السير فيه حتى آخره دون الالتفات إلى الممرات الأخرى، ثم العودة من جديد لتجربة ممر مختلف. حركة تشبه استكشاف سراديب أو أنفاق، حيث يغريك الطريق العميق بأن تكمله حتى نهايته قبل أن تلتفت إلى بقية المسارات.
وفي كلتا الطريقتين لم يعد البحث مجرد حركة، بل أصبح رؤية: رؤية تقول لك إن البيانات ليست عناصر منفردة، بل شبكة من العلاقات تحتاج إلى أسلوب يليق بها.
وبعد أن سرت في طريق مستقيم، وقفزت داخل مساحة مرتبة، وتنقلت في شبكة واسعة تدرك أن البحث ليس عملية جانبية داخل الخوارزمية، بل هو جزء من طريقتها في التفكير. إن الطريقة التي تستخدمها للبحث هي نفسها الطريقة التي ترى بها البيانات. هل تعاملها كصف واحد؟ أم كخريطة مقسّمة؟ أم كمدينة لها طرق متشابكة؟ هذا هو ما يحدد شكل الخوارزمية وعمقها وقدرتها على الوصول إلى الهدف.
مركز علوم الدولي (د. عبدالرحمن الزراعي)
_______________
ما مدى استيعابك للدرس
ممتاز
جيد
مقبول
11 votes
6:36
17
8 comments
Abdulrahman Alzarraei
6
الدرس 06 – مرتكزات الذكاء الاصطناعي - الخوارزميات
powered by
تطوير النماذج العربية الذكية
انضمّ إلى أكاديمية علوم الدولية للذكاء الاصطناعي لإنشاء مشاريع ربحية قابلة للتنفيذ خلال أيام، ودون الحاجة إلى أية خبرة تقنية أو تكلفة تشغيلية
Build your own community
Bring people together around your passion and get paid.
Powered by