الدرس 05 - مرتكزات الذكاء الاصطناعي - التفاعل
الدرس الخامس: التفاعل متعدد الوسائط - كيف تتحد الحواس الرقمية لتصنع حوارًا أشبه بالبشر حين نتأمل البدايات الأولى للتفاعل بين الإنسان والآلة، نجد أنفسنا أمام صفحة ضيقة من التاريخ: حاسوب صامت لا يرى شيئًا ولا يسمع شيئًا، ولوحة مفاتيح ينهال عليها المستخدم كتابةً ليحصل بعد انتظار على ردّ جامد لا يتجاوز حدود النص. كان العالَم الرقمي آنذاك أُحاديَّ الحس، لا يتلقى إلا حروفًا، ولا يردّ إلا كلمات. غير أنّ التطور التقني، بما يحمله من فضول بشري ورغبة في التوسع، لم يسمح لهذا النمط المحدود أن يبقى طويلًا. فجاءت الموجات الجديدة من النماذج الذكية لتُعيد تعريف معنى “التفاعل”، وتحوّله من قناة نصية ضيقة إلى تجربة حسّية متكاملة تجتمع فيها الكلمة مع الصورة والصوت في نَسَق واحد. وهكذا بدأ الذكاء الاصطناعي يشبه الكائن الحي أكثر مما يشبه الآلة الجامدة؛ كائنًا يرى ويسمع ويقرأ، ثم يعيد تركيب ما وصله في استجابة واحدة تتبدّى للمستخدم كأنها صادرة مِن محاوِرٍ متعدد الحواس. في هذه المرحلة الجديدة، لم يعد المستخدم مضطرًا إلى التوسل بالنص كي يخاطب النموذج. صار بإمكانه أن يلتقط صورة فيرسلها، أو يسجّل مقطعًا صوتيًا، أو يجمع بين نصٍّ وصوتٍ وصورة في وقت واحد. وإذا أرسل صورة، بادر النموذج إلى تفكيك عناصرها، وقياس المسافات بين تفاصيلها، ورسم شبكة دقيقة تربط اللون بالشكل والمشهد بالسياق. وإذا أرسل صوتًا، تحوّل الموج إلى حروف، والحروف إلى كلمات، والكلمات إلى معنى يدخل في الفضاء اللغوي نفسه الذي تُعالَج فيه النصوص المكتوبة. ومع كل خطوة كهذه تتسع الحواس الرقمية للنموذج، وتتكامل قدراته على صنع فهم متماسك يربط بين البيانات مهما اختلفت لغاتها. والتفاعل في بيئة متعددة الوسائط يحتاج من المستخدم إلى وعي جديد؛ وعي يشبه وعي المخرج الذي ينسّق بين صوت الممثلين، وإضاءة المشهد، وزاوية التصوير، كي تخرج القصة واضحة دون ارتباك. فإذا أرسل المستخدم صورة وطلب تحليلها، فعليه أن يحدد ما يريد من هذا التحليل. وإذا أرسل معها نصًا، فعليه أن يوضح العلاقة بين النص والصورة: أيهما يُفسّر الآخر؟ وأيهما يمهّد للمعنى؟ هذا الوعي يمنح النموذج خريطة واضحة، فيتحرك عبر الوسائط المختلفة بانسجام لا يجعل إحدى الحواس الرقمية تطغى على الأخرى. وتكمن قوة التفاعل متعدد الوسائط في قدرته على بناء الفهم من أكثر من نافذة. حين يرى النموذج صورة تلميذ يحمل كتابًا، ثم يقرأ نصًا يتحدث عن الاجتهاد، فإنه يربط بين الوجه المتعب واليد المشدودة والسطور المكتوبة، فينتج استجابة أكثر قربًا من التجربة الواقعية. وفي التعليم يمكن لهذا الدمج أن يحوّل الدرس الواحد إلى تجربة بصرية–سمعية–لغوية تعيد للطالب عناصر الفهم الثلاثة دفعة واحدة. وفي البحث العلمي يستطيع النموذج أن يقرأ تقريرًا مكتوبًا، ويقارن نتائجه بصورة ملتقطة عبر الأقمار الصناعية، ثم يستمع إلى تسجيل ميداني، ليصوغ تحليلًا لا يقتصر على البيانات، بل على العلاقات بينها.